فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدنيا حَسَنَةً} يعني العافية والكفاف قاله قتادة، أو المرأة الصالحة قاله علي كرم الله تعالى وجهه، أو العلم والعبادة قاله الحسن، أو المال الصالح قاله السدي، أو الأولاد الأبرار، أو ثناء الخلق قاله ابن عمر، أو الصحة والكفاية والنصرة على الأعداء والفهم في كتاب الله تعالى، أو صحبة الصالحين قاله جعفر، والظاهر أن الحسنة وإن كانت نكرة في الإثبات وهي لا تعم إلا أنها مطلقة فتنصرف إلى الكامل والحسنة الكاملة في الدنيا ما يشمل جميع حسناتها وهو توفيق الخير وبيانها بشيء مخصوص ليس من باب تعيين المراد إذ لا دلالة للمطلق على المقيد أصلًا وإنما هو من باب التمثيل وكذا الكلام في قوله تعالى: {وَفِي الآخرة حَسَنَةً} فقد قيل هي الجنة، وقيل: السلامة من هول الموقف وسوء الحساب، وقيل: الحور العين وهو مروي عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقيل: لذة الرؤية وقيل، وقيل... والظاهر الإطلاق وإرادة الكامل وهو الرحمة والإحسان. اهـ.

.قال القرطبي:

اختلف في تأويل الحَسَنَتَين على أقوال عديدة؛ فرُوِيَ عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن الحسنة في الدنيا المرأة الحسناء، وفي الآخرة الحُور العين. {وَقِنَا عَذَابَ النار} المرأة السوء.
قلت: وهذا فيه بُعْد، ولا يصح عن عليّ، لأن النار حقيقة في النار المحرقة، وعبارة المرأة عن النار تجوّز. وقال قتادة: حسنة الدنيا العافية في الصحة وكفاف المال. وقال الحسن: حسنة الدنيا العلم والعبادة. وقيل غير هذا. والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسَنَتين نِعَم الدنيا والآخرة. وهذا هو الصحيح؛ فإن اللفظ يقتضي هذا كله، فإن {حسنة} نكرة في سياق الدعاء، فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل. وحسنة الآخرة: الجنة بإجماع. وقيل: لم يَرِد حسنة واحدة، بل أراد: أعطنا في الدنيا عطيّة حسنة؛ فحذف الاسم. اهـ.

.قال ابن كثير:

جمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا، وصرَفت كلّ شر فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين، ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام.
وقال القاسم بن عبد الرحمن: من أعطي قلبا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وجسدًا صابرًا، فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ووقي عذاب النار.
ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء. فقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهم ربَّنا، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال القشيري:

إنما أراد بها حسنة تنتظم بوجودها جميع الحسنات، والحسنةُ التي بها تحصل جميع الحسنات في الدنيا حفظُ الإيمان عليهم في المآل؛ فإِنَّ مَنْ خرج من الدنيا مؤمنًا لا يخلد في النار، وبفوات هذا لا يحصل شيء. والحسنة التي تنتظم بها حسنات الآخرة المغفرة، فإذا غفر فبعدها ليس إلا كل خير. اهـ.

.قال القرطبي:

هذه الآية من جوامع الدعاء التي عمّت الدنيا والآخرة. قيل لأنس: ادع الله لنا؛ فقال: اللَّهُم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قالوا: زِدنا. قال: ما تريدون! قد سألت الدنيا والآخرة!. وفي الصحيحين عن أنس قال: كان أكثر دعوة يدعو بها النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهُم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» قال: فكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه. وفي حديث عمر أنه كان يطوف بالبيت وهو يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ماله هِجِّيري غيرها؛ ذكره أبو عبيد. وقال ابن جريج: بلغني أنه كان يأمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الموقف هذه الآية: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النار}. اهـ.

.قال السبكي:

مِنْ النَّاسِ مَنْ قَدْ دَبَّرُوا فَتَحَصَّلُوا ** عَلَى نِعْمَةٍ فِي نَسْلِهِمْ هِيَ بَاقِيَهْ

وَمَا لِي تَدْبِيرٌ لِنَفْسِي لا وَلا ** لِنَسْلِيَ لَكِنْ نِعْمَةُ اللَّهِ كَافِيَهْ

كَمَا عَالَنِي دَهْرِي كَذَاكَ يَعُولُ مَنْ ** أُخَلِّفُهُ فِي عِيشَةٍ هِيَ رَاضِيَهْ

وَمِنْهُمْ أُنَاسٌ وَفَّرَ اللَّهُ حَظَّهُمْ ** لِخَيْرِهِمْ فِي جَنَّةٍ هِيَ عَالِيَهْ

وَقَوْلِي رَبِّي آتِنَا حَسَنَتَيْهِمَا ** وَثَالِثَةً عَنَّا جَهَنَّمَ وَاقِيَهْ

نَظَمْتُهَا يَوْمَ الاثْنَيْنِ سَابِعَ شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِسَبَبِ أَنِّي تَفَكَّرْت فِي حَالِي وَحَالِ أَوْلادِي وَلِي فِي الْقَضَاءِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَحْصُلُ لَهُمْ مَا يَبْقَى لَهُمْ مِنْ بَعْدِي وَأَقَمْت قَبْلَ ذَلِكَ بِمِصْرَ نَحْوًا مِنْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ أُحَصِّلَ لَهُمْ رَوَاتِبَ كَثِيرَةً لَمْ أُحَصِّلْ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَافْتَكَرْت قَاضِيَيْنِ فِي دِمَشْقَ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ وَابْنَ الزَّكِيِّ حَصَّلا مَا هُوَ بَاقٍ لِذُرِّيَّتِهِمَا إلَى الْيَوْمِ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي مِصْرَ لَمْ يَتْرُكْ لأَوْلادِهِ شَيْئًا وَلا حَصَّلَ لَهُمْ بَعْدَهُ شَيْئًا وَنَفْسِي تَطْلُبُ الْخَيْرَ لأَوْلادِي فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي فَتَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ وَأَحَلْتُهُمْ عَلَى فَضْلِهِ كَمَا تَفَضَّلَ عَلَيَّ، وَنَظَّمْت هَذِهِ الأَبْيَاتِ وَأَشَرْت فِي الْبَيْتِ الأَخِيرِ إلَى قَوْله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. اهـ.

.قال في البحر المديد:

الناس ثلاثة: صاحب همة دَنِيَّة، وذو همة متوسطة، وصاحب همة عالية، أما صاحب الهمة الدنية فهو الذي أنزل همته على الدنيا الدنية، وأكبَّ على جمع حطامها الفانية، فقلبُ هذا خالٍ من حب الحبيب، فما له في الآخرة من نصيب. وأما صاحب الهمة المتوسطة فهو الذي طلب سلامة الدارين، وصلاح الحالين، قد اشتغل في هذه الدار بما ينفعه في دار القرار، ولم ينسَ نصيبه من الدنيا لِيقْضِي ما له فيها من الأوطار، فهذا له في الدنيا حسنة، وهي الكفاية والغنى، وفي الآخرة حسنة، وهي النعمة والسرور والهنا.
وأما صاحب الهمة العالية فهو الذي رفع همته عن الكونَيْن، وأغمض طَرْفَه عن الالتفات إلى الدارين، بل علَّق همته بمولاه، ولم يقنع بشيء سواه، قد ولّى عن هذه الدار مُغضيًا، وأعرض عنها مُوليًا، ولم يشغله عن الله شيء، يقول بلسان المقال إظهارًا لعبودية للكبير المتعال: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} وهي النظرة والشهود، ورضا الملك الودود، {وفي الآخرة حسنة} وهي اللحوق بأهل الرفيق الأعلى، من المقربين والأنبياء، في حضرة الشهود المؤبد {في مقعد صدق عند مليك مقتدر}. أتحفَنَا الله من ذلك بحظٍّ وافر، بمنِّه وكرمه، نحن وأحباءَنا أجمعين، آمين. اهـ.

.سؤال: لم زاد في الدعاء {وقنا عذاب النار}؟

الجواب: إنما زاد في الدعاء {وقنا عذاب النار} لأن حصول الحسنة في الآخرة قد يكون بعد عذاب ما فأريد التصريح في الدعاء بطلب الوقاية من النار. اهـ.

.تفسير الآية رقم (202):

قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هؤلاء على منهاج الرسل لأنهم عبدوا الله أولًا كما أشار إليه السياق فانكسرت نفوسهم ثم ذكروه على تلك المراتب الثلاث فنارت قلوبهم بتجلي نور جلاله سبحانه وتعالى فتأهلوا بذلك للدعاء فكان دعاؤهم كاملًا، كما فعل الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال: {الذي خلقني فهو يهدين} [الشعراء: 78] الآيات حتى قال: {رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين} [الشعراء: 83] فقدم الذكر على الدعاء وكما هدى إليه آخر آل عمران في قوله: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا} [آل عمران: 193] الآيات، فقدموا الطاعة عظم شأنهم بقوله على سبيل الاستئناف جامعًا على معنى من بشارة بكثرة الناجي في هذه الأمة أو يكون الجمع لعظم صفاتهم: {أولئك} أي العالو المراتب العظيمو المطالب {لهم} أي هذا القسم فقط لأن الأول قد أخبر أن الأمر عليه لا له.
ولما كان غالب أفعال العباد على غير السداد وأقل ما فيها أن تكون خالية عن نية حسنة قال مشيرًا إلى ذلك: {نصيب} وهو اسم للحظ الذي أتت عليه القسمة بين جماعة، كائن {مما} لو قال: طلبوا مثلًا، لم يعم جميع أفعالهم؛ ولو قال: فعلوا، لظُن خروج القول فعدل إلى قوله: {كسبوا} أي طلبوا وأصابوا وتصرفوا واجتهدوا فيه وجمعوا من خلاصة أعمالهم القولية والفعلية ومنها الاعتقادية وهو ما أخلصوا فيه فهو الذي يثابون عليه وهو قليل بالنسبة إلى باقي أعمالهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا}:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {أولئك} فيه قولان أحدهما: إنه إشارة إلى الفريق الثاني فقط الذين سألوا الدنيا والآخرة، والدليل عليه أنه تعالى ذكر حكم الفريق الأول حيث قال: {وَمَا لَهُ في الأخرة مِنْ خلاق}.
والقول الثاني: أنه راجع إلى الفريقين أي لكل من هؤلاء نصيب من عمله على قدر ما نواه، فمن أنكر البعث وحج التماسًا لثواب الدنيا فذلك منه كفر وشرك والله مجازيه، أو يكون المراد أن من عمل للدنيا أعطى نصيب مثله في دنياه كما قال: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الأخرة نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ في الأَخِرةِ مِنْ نَصيب} [الشورى: 20]. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أولئك} إشارةٌ إلى الفريق الثاني باعتبار اتصافِهم بما ذُكر من النعوت الجميلةِ، وما فيه من معنى البُعد لما مر مرارًا من الإشارة إلى علوِّ درجتِهم وبُعْدِ منزلتِهم في الفضل وقيل: إليهما معًا فالتنوينُ في قوله تعالى: {لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ} على الأول للتفخيم وعلى الثاني للتنويعِ أي لكلِّ نوعٍ منهم نصيبٌ من جنس ما كسَبوا أو من أجله كقوله تعالى: {مّمَّا خطيئاتهم أُغْرِقُواْ} أو مما دَعَوْا به نعطيهم منه ما قدّرناه، وتسميةُ الدعاء كسْبًا لما أنه من الأعمال {والله سَرِيعُ الحساب} يحاسبُ العبادَ على كثرتهم وكثرةِ أعمالهم في مقدار لمحة فاحذَروا من الإخلال بطاعةِ مَنْ هذا شأنُ قدرتِه أو يوشك أن يُقيمَ القيامةَ ويحاسِبَ الناسَ فبادروا إلى الطاعات واكتساب الحسنات. اهـ.

.قال ابن عاشور:

واسم الإشارة مشير إلى الناس الذين يقولون: {ربنا آاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} للتنبيه باسم الإشارة على أن اتصافهم بما بعد اسم الإشارة شيء استحقوه بسبب الإخبار عنهم بما قبل اسم الإشارة، أي إن الله استجاب لهم لأجل إيمانهم بالآخرة فيفهم منه أن دُعاء الكافرين في ضلال. اهـ.